إعداد : عـامــر كنبــور
تقــديـم:
تهتم بيداغوجية المواد أو ديداكتيك المواد بدراسة التفاعلات التي تربط بين كل من المتعلم و المدرس و المعرفة في إطار جهز مفاهيمي معين، وذلك قصد تسهـيل عمليات تملك المعرفة من طرف المتعلمين. فهي سيرورة نسقية مترابطة عضويا ، تتمثل مكوناتها و تتجسد في عملية التدريس كتنظير و ممارسة، باعتبارها تهتم بالمدرس و التلميذ و الأهداف و المحتويات و الطرق و الوسائل و تقنيات التقويم.
واستنادا إلى " غانيون " J.P.GAGNON يمكن اقتراح التعريف التالي للديداكتيك : " إنها إشكالية تتضمن تأملا و تفكيرا في طبيعة المادة الدراسية و الغاية منها، وإعداد فرضياتها الخصوصية انطلاقا من الإسهامات المتجددة و المتنوعة باستمرار لعلم النفس و البيداغوجيا و السوسيولوجيا…إلخ. فهي مجال مفتوح قابل للمراجعة تتطور فيه المعرفة باستمرار، وهي تبعا لكل هذا علم أساسي و تطبيقي في نفس الوقت تتقاطع فيه المادة الدراسية بين الإعداد للتدريس و أهداف و طرق ووسائل التقويم ، من جهة، وبين أشكال اكتساب المعرفة ، من جهة أخرى " .
ولقد تمكنت بيداغوجية المواد خلال العقد الأخير من بناء جهاز مفاهيمي متميز تستعمله للدلالة على القضايا التي انفردت بطرحها دون غيرها من العلوم التربوية الأخرى. ومن هذه المفاهيم : المثلث التعليمي، النقل البيداغوجي ، العقد التعليمي ، التصورات التعليمية أو التمثلات…
1 – المثلث التعليمي :
تمتاز الوضعية التعليمية بكونها وضعية مثلثة تجمع بين ثلاثة أقطاب غير متكافئة هي : التلميذ و المدرس و المعرفة. وتهتم بيداغوجيا المواد بتحليل كل قطب من هذه الأقطاب الثلاثة على حدة، كما تهتم بدراسة التفاعلات التي تربط كل قطب من هذه الأقطاب بالقطبين الآخرين.
ومن الملاحظ أن هذا المثلث يكون نسقا منظما يتغير جذريا كلما تغير فيه قطب من الأقطاب.
ومن العلاقات الثنائية التي تربط بين أقطاب المثلث التعليمي، نذكر ما يلي :
ü علاقة التلميذ بالمعرفة، وتفرز ثلاث قضايا على الأقل :
- قضية التملك الاصطناعي للمعرفة من طرف المتعلم ( نظريات التعلم و خاصة البنائية ).
- قضية العوائق التعليمية التي تحول دون امتلاك الطفل للمعرفة العلمية المقدمة له في الفصل.
- قضية التصورات و ضرورة الوقوف عليها و معالجتها لتسهيل عمليات امتلاك المعرفة من طرف المتعلمين.
ü علاقة المدرس بالمعرفة، وتفرز بالأساس قضية تحليل المضمون المعرفي من طرف المدرس وما ينتج عنها من قضايا النقل البيداغوجي.
ü علاقة التلميذ و المدرس، وتفرز بدورها ثلاث قضايا على الأقل :
- قضية العلاقات التربوية.
- قضية العقد التعليمي الذي يربط بين كل من التلميذ و المعلم.
- قضية التصورات التي يحملها المدرس حول مختلف المواد المعرفية التي يتعامل معها في إطار الوضعية التربوية.
وفي ضوء هذه العلاقات يمكن التعرض إلى قضية طرائق التدريس، حيث أن الطريقة التي يتبعها المدرس في فصله غالبا ما تكون متأثرة بالصورة التي يحملها عن هيكله المثلث التعليمي، إن لم تكن نتيجة حتمية لها:
v فالمدرس الذي يؤكد ، في تصوره للوضعية التدريسية ، على العلاقة الثنائية بين المدرس و المعرفة سينزلق بالضرورة في تبني الطريقة التقليدية.
v أما المدرس الذي يؤكد على العلاقة بين التلميذ و المعرفة، فإنه يؤمن ضمنيا بان اكتساب المعرفة عملية بنائية يقوم بها التلميذ والتلميذ وحده ( أنظر النظرية البنائية لبياجي ). و الطريقة التي يفرزها مثل هذا التصور هي الطريقة النشيطة التي تجعل من التلميذ العنصر الأول و الفاعل في الفصل.
v أما الإمكانية الثالثة و المتمثلة في التركيز على العلاقة التي تجمع بين المدرس و التلميذ داخل الوضعية التعليمية فتفرز ما يسمى بالطريقة الإعانية، التي تتمثل حسب رائدها " كارل روجرس " في " تنازل المدرس عن موقفه التلقيني قصد محاولة فهم العمليات التي يدرك بها الشخص الآخر تجربته و إعانته على تنظيم أفكاره و ترشيد علاقته مع الآخرين ".
2 – مفهوم العقد الديداكتيكي/ التعاقد البيداغوجي أو المعرفة بين المدرس و المتعلم :
يعني العقد الديداكتيكي " مجموع العلاقات التي تحدد بصفة صريحة في بعض الحالات و بصفة ضمنية في اغلبها ما هو مطلوب من كل طرف ( المدرس و المتعلم ) ان يحققه خلال حصة تعليمية معينة " ، ونظام الإلزام هذا هو بمثابة عقد بينهما، ومعنى هذا أن عنصر المفاجأة أو التشويق أصبح أمرا غير مرغوب فيه حيثما يتم تحديد الأهداف و إشعار المتعلم بها و التعاقد عليها بين طرفي العملية. و هنا يدخل الطرفان معا في استراتيجية محكمة تفرزها طبيعة المادة المعدة للتدريس، وتتقلص حرية المدرس هنا لتخضع لوتيرة التعلم بمعنى ان كل خروج عن هذه الوتيرة هو في حد ذاته نقض لهذا العقد. إن الصيغة الضمنية للعقد الديداكتيكي تسود حيثما التزم الأطراف بالمسؤوليات المحددة، و حالما يشذ التعليم عن مجراه يبرز هذا العقد بصيغة صريحة و يلزم العودة إلى تعديل مسار هذا النظام.
و يمكن إيراد التعاريف التالية للعقد التعليمي كالتالي :
ü إتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص تجاه شخص أو أشخاص آخرين بالقيام بعمل أو عدم القيام به.
ü إجراء بيداغوجي مقتبس من ميدان التشريع و الصناعة، يقوم في إطار العمل التربوي على اتفاق تعاقدي بين طرفين هما المدرس و التلميذ، و ينبني هذا الإتفاق على مفاوضة بينهما حول متطلبات المتعلم و أهداف التعليم وواجبات كل طرف و حقوقه، و أهداف و مرامي عملية التعليم و التكوين.
و ينبني العقد البيداغوجي على المراحل التالية : (1) الإخبار، و يلزم أن يكون مشتركا بين المتعاقدين متعلقا بالبرامج و الأهداف و مدد الإنجاز و المعطيات المادية… (2) الإلتزام، أي مساهمة كل طرف في التوقيع على العقد و الالتزام ببنوده خلال إنجازه. (3) الضبط، و يتعلق الأمر بتدبير سير العمل و مراجعته من طرف المتعاقدين. (4) التقويم ، و هو مرحلة فحص مدى تحقق أهداف العقد.
3 – مفهوم التمثلات / التصورات أو المعرفة بين الكائن و الممكن :
التمثل في اللغة العربية من مثل له شيئا، أي صوره، حتى كأنه ينظر إليه.وامتثله ، أي تصوره، ومثلت له تمثيلا ، إذا صورت له مثاله بكتابة و غيرها ، و تمثيل الشيء بالشيء تشبيه به. فالتمثيل و التمثل إذن متقاربان، وهما يشتركان في أمرين : حضور صورة الشيء في الذهن ، و الآخر قيم الشيء مقام الشيء.
و حسب قاموس ( روبير Petit Robert ) فإن التمثل يعني عملية استحضار شيء أمام أعين أو ذهن فرد معين بشكل يجعل ذلك الشيء أكثر حساسية عن طريق صورة أو شكل أو رمز.
أما التحديد السيكلوجي للتمثل فهو : كما يعرفه دوركهايمDurkheim بأنه يعكس صورة الحقيقة و الواقع من جهة، وأداة تمثيل ذلك الواقع من جهة ثانية، و من هنا نستشف أن التمثلات هي أنواع أو ضروب من أشياء توجد في رؤوس ( أذهان ) التلاميذ. ويعرفها دوفلاي Develay أن التمثلات هي الكيفية التي يوظف بها الفرد و بصورة شخصية معارفه السابقة لمواجهة مشكل معين خلال و ضعية معينة.
و عموما فالتمثل عبارة عن صيغة من المعارف الداخلية التي يعمل المتعلم على تشغيلها ضمن وضعية معينة عندما يكون أمام موضوع أو ذات، مطلوب منه أن يقاربه و يستدمجه. و المتعلم يعمل عن طريق التمثل على كنينة المعرفة على مستوى ذهنه بعد أن كانت محددة ضمن سياق واقعي مادي، بمعنى أن يحول الصور المادية إلى قوالب معرفية قصد إعادة تشكيل الواقع من جديد . ولكل متعلم جهازه التمثيلي الخاص حسب طاقته الاستيعابية و قدرته على التجريد. وينصب عمل المدرس في هذا الإطار على ثلاث مستويات : مستوى فهم التمثلات، مستوى ضبط مصادرها، ومستوى استثمارها و توظيفها في توجيه التعلم.
4 – النقل / التحويل الديداكتيكي أو من المعرفة الصرفة/ العالمة إلى المعرفة المدرسية :
استعمل مفهوم النقل / التحويل الديداكتيكي لأول مرة في ديداكتيك الرياضيات من طرف " إيفيس شفلار " Yves Chevallard، ويعني تحويل المعرفة من مجالها العالم و الصرف إلى مجال آخر لتكون قابلة للتدريس.
فالنقل الديداكتيكي هو مجموعة التحولات التي تطرا على معرفة معينة في مجالها الصرف من أجل تحويلها إلى معرفة تعليمية قابلة للتدريس.
تفيدنا أبحاث " شفلار " بأن المعرفة التي يتعامل معها التلميذ في إطار الوضعية التعليمية تختلف عن المعرفة العلمية التي يتعاطاها العلماء المختصون ، ذلك أن المعرفة تمر بعدة تحولات/ ثلاث مراحل حتى تصبح معرفة صالحة للتعلم.
4-1: مسارات المعرفة : من المعرفة العلمية الصرفة إلى المعرفة المدرسية.
&المعرفة العلمية / موضوع المعرفة : وهي المعرفة المتداولة من طرف العلماء المختصين ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمرر للمتعلمين على حالتها تلك. فمن البديهي أن التلاميذ لا يمكنهم التعامل مع هذه المعرفة لأنها مبنية على مفاهيم مجردة و معقدة من الصعوبة بمكان تمثلها، زيادة على كون مصدر هذه المعرفة غير ثابت تبعا للوضعية الدينامية للمعرفة العلمية.
ولكن هذا الوضع لا يجب أن يجر المدرس إلى إهمال" المعرفة العلمية " وذلك لأمرين على الأقل :
- إن المعرفة العلمية يجب أن تبقى المصدر الذي يستقي منه المدرس المعرفة المدرسية؛
- إن دراسة تاريخ المعرفة العلمية من شأنه أن ينير سبيل المدرس في خصوص العراقيل الإبيستيمولوجية التي واجهتها الإنسانية في اكتشاف المفاهيم العلمية، و هي عراقيل غالبا ما يواجهها التلاميذ خلال عمليات التملك الإصطناعي للمفاهيم العلمية.
هناك من العلماء من يذهب إلى أن النقل الديداكتيكي ليس مجرد تحويل بريء للمعرفة من مجال إلى آخر و لكنه إجراء يمس قيمة هذه المعرفة، و يحط من قدرها مما يدفع إلى الشك في مصداقيتها . وحسب هؤلاء، فإن النقل الديداكتيكي فعل غير محمود، ينبغي الحرص على تقليص خساراته ما دامت نتائجه غير مضمونة.
وهناك في المقابل رأي مغاير يقول إن النقل الديداكتيكي بكل بساطة عملية ضرورية لا محيد عنها، تخلق إطارا جديدا لتداول المعرفة، وهو إطار محكوم بضوابط ديداكتيكية لابد من الإحاطة بها.
&المعرفة الواجب تدريسها / الموضوع الواجب تعليمه : ونجدها في البرامج و الكتب المدرسية، وإن كانت هذه المعرفة مستقاة من المعرفة العلمية، فإنها تختلف عنها على الأقل ، ففي الوقت الذي تتميز فيه الأولى بالشساعة والانفتاح و الوفاء للأغراض العلمية الصرفة، نجد الثانية محكومة بالإنغلاق و الإنتقاء خدمة لأهداف مشروع مجتمعي ضمني ترسم معالمه عبارات التوجيهات التربوية الرسمية و مقدمات الكتب المدرسية و المداخل النظرية للمناهج التعليمية.
&المعرفة المدرسية/ موضوع التعليم : و تتمثل في ما يتم تداوله المدرس فعلا مع تلاميذه. وتستقي هذه المعرفة المدرسة محتواها من المعرفة الواجب تدريسها (البرامج و الكتب المدرسية ) كما تتأثر بروافد أخرى نخص بالذكر ما يلي :
- مواضيع الامتحانات حيث أن المدرس يدرس لتلامذته ما تعود أن يراه يطرح في الامتحانات؛
- نصائح و إرشادات المفتشين التي قد لا تتماشى دائما مع ما يوجد في الكتب المدرسية؛
- الملتقيات البيداغوجية و الدورات التكوينية؛
- تجربة المدرس الخاصة…إلخ.
وعلى الرغم من علاقة الاحتواء و التضمن القائمة بين المعرفة الواجب تعليمها و المعرفة المتعلمة، فإن هذه الأخيرة تظل متسمة بخصوصيات الأجواء التربوية التي تمارس فيها، وبرؤية الفاعلين التربويين، وتنوع أساليبهم ووسائلهم و طرقهم في التدريس. فليس من الضروري أن يدرس كافة الأساتذة نفس الدرس بنفس الطريقة، كما أنه من الناذر أن يولي كافة المدرسين الأهمية ذاتها لنفس المقاطع من البرنامج الدراسي، فلابد من وجود اختلافات بينهم تطفو على سطح الأداء و الإنجاز، بكيفية يمكن الاستنتاج معها بأن المعرفة الواجب تعليمها إذا كانت تسعى إلى توحيد الرؤى و الممارسات، فإن المعرفة المعلمة تكشف عن تعدد و تنوع هذه الرؤى دون أدنى تناقض بين المعرفتين. و يرجع سبب ذلك إلى أن الواقعة التعليمية واقعة فريدة في الزمن، لايمكن اجترارها أو استنساخها، ولو تعلق الأمر بنفس المدرس و نفس التلاميذ.
وبصفة عامة فالمعرفة المعلمة بقدر ما تهتدي بالخطوط التوجيهية للمعرفة الواجب تعليمها ضمانا للموضوعية المطلوبة في كل فعل تعليمي، بقدر ما تجد نفسها في نهاية المسار منجذبة نحو ما يمنحها ذاتيتها الخاصة ووفية للملامح الرؤيوية و الأسلوبية للتجربة المتميزة التي تصدر عنها.
و يتمثل النقل البيداغوجي في مختلف العمليات التي تطرأ على المعرفة العلمية حتى نجعل منها معرفة واجبة التدريس تم معرفة مدرسة .
4-2 :شروط وخصائص نص المعرفة المدرسية :
إن انتقال المعرفة من إطارها العلمي الأصل إلى الإطار المدرسي، مشروط بمجموعة من الإجرءات العلمية التي ينبغي احترامها قصد ضمان نجاح فعل النقل الديداكتيكي، نذكر منها ما يلي :
ü تجزيء الأطر النظرية للمعرفة إلى حقول محددة متناهية تسمح بظهور ممارسات تعلمية متخصصة؛
ü فصل المعرفة في كل ممارسة تعلمية عن صاحبها، أي تجريد المعرفة من الطابع الشخصي.
ü برمجة عمليات التعلم في إطار مقاطع مركزة، تتيح للمتعلم فرصة الاكتساب التدريجي للخبرة، أي قابلية عمليات اكتساب المعرفة للبرمجة.
إن تحويل المعرفة إلى نص قابل للدراسة و التعلم، تحويل يسم هذا النص بمجموعة من الخصائص البنيوية يمكن التعرض إليها كالتالي :
& التجرد من السياق الخاص :
إن أول خاصية تميز نص المعرفة المدرسية هي انفصاله الواضح عن المحيط الإبستمولوجي الأصل، إذ يتم إقصاء و تجاهل المسارات الفعلية و الظروف الحقيقية التي كانت خلف ميلاد و انبثاق المعرفة ( تجاهل المحاولات الأولية التي مهدت للبحث، الحيرة المنهجية التي شملت لحظات البحث ، الظرف الفعلية الخاصة التي طبعت مراحل انبثاق وولادة المعرفة موضوع الاشتغال…).
ومن مميزات المعرفة عندما تقدم باعتبارها نصا مستهدفا للتدريس : معرفة متماسكة خاضعة لنظام منطقي – لا يتم الاحتفاظ إلا بالسياق الأكثر عمومية – تختلف القضايا في هذا الإطار عن الحجم الحقيقي الذي كانت تشغله و هي في حظيرة البحث.
إن مظاهر هذا التحول الذي يطرأ على المعرفة العالمة، يمكن النظر إليه من منظورين : أحدها إيجابي و الثاني سلبي ، الأول إيجابي و يتمثل في جعل المعرفة عمومية، إذ يمكن استثمار النتائج و التحقق منها من طرف أي فرد كان، أما المنظور الثاني السلبي فيتمثل في الغياب الجزئي أو الكلي للسياق الذي تم فيه الاكتشاف.
& تجاوز الطابع الشخصي للمعرفة :
الخاصية الثانية التي تميز نص المعرفة المدرسية هي أن المقتضيات الديداكتيكية لتنصيص المعرفة تعمل على عزل المنتوج العلمي عن صاحبه، بغرض تجريد هذا المنتوج من أي طابع شخصي من شأنه التأثير سلبا في الصفاء المفترض للمعرفة العالمة ، مما يؤكد على أن المدرسة تعمل على تلقين معارف لا تكشف عن الظروف التي كانت خلف انبثاقها.
& قابلية المعرفة للبرمجة :
تعد هذه الخاصية من الخاصيات الملازمة للمدرسة، التي من وظائفها البرمجة والتخطيط لتوالي المحتوى و المضامين وفق مراحل متدرجة من الصعوبة. ومن ضمن ما تعنيه هذه الخاصية هو أن بعض المفاهيم يحسن تقديمها أو تأخيرها في عملية التدريس على مفاهيم أخرى.
إن نص المعرفة وفق هذا المنظور يقوم على شكل خاص من التدرج في المعلومات، ويتوفر على بداية ونهاية كما أنه يعتمد على سلاسل استدلالية مترابطة الحركات.
& إشهار المعرفة و ترويجها :
إذا أصبح نص المعرفة المدرسية بعد المعالجة نصا متميزا بموضوعيته و بتجرده من أي طابع شخصي أو ذاتي ممكن، فمعنى ذلك أنه قد أصبح نصا قابلا للعرض و الإشهار، وبأن المعرفة التي سيتم تلقينها تتيح إمكانية المراقبة الاجتماعية لعمليات تعلم التلاميذ. و من الملاحظ أن المعارف الواجب تدريسها ، إذا كانت تخضع للتحديد و الضبط بواسطة البرامج الدراسية، فإن المعارف المدرسة، تظل محتجبة غير مشرعة لأنها من مسؤوليات المدرس. لذلك ، فإشهار المعارف الواجب تدريسها يوازيه احتجاب المعارف الفعلية التي يقوم بها المدرسون بتدريسها ( لكل مدرس طريقة عمله و منهجيته و الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها…).
إن المتأمل في في خصائص النقل الديداكتيكي السالفة الذكر، لابد أن يخلص إلى أن موضوع التعليم الذي يكون بين يدي المدرس ، ليس في حقيقته إلا نتاج المعالجات السابقة: إنه تعرض لعملية نخل و غربلة بهدف تخليصه من المنطلقات الذاتية التي تقف خلف وجوده ( إلغاء الطابع الشخصي ) و بهدف عزله عن الإطار الإبستمولوجي الذي ينتمي إليه في ظل المعرفة العالمة ( إلغاء السياق )و بهدف فصله عن الإشكالية العلمية التي تقود خطواته في البرهنة و الإستدلال.
المراجع المعتمدة :
1 – رشيد بناني ، من البيداغوجية إلى الديداكتيك ( دراسة وترجمة ) ، منشورات الحوار الأكاديمي و الجامعي ، دار الخطابي للنشر، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 1999.
2 – أحمد شبشوب، مدخل إلى الديداكتيك ، الديداكتيك العامة ، منشورات رمسيس، ط1، الرباط، 1997.
3 – المصطفى لخصاضي ، قضايا ابستمولوجية و ديداكتيكية في مادتي التاريخ والجغرافية، دار الثقافة للنشر و التوزيع ، ط1، الدار البيضاء، 2001.
4 – عبد اللطيف الفاربي و آخرون ، معجم علوم التربية ، مصطلحات البيداغوجيا و الديداكتيك، سلسلة علوم التربية 9/10، دار الخطابي للطباعة والنشر ن ط1، 1994.
5 – احمد شبشوب، مدخل إلى بيداغوجية المواد ( الديداكتيك ) ، مجلة الدراسات النفسية والتربوية، العدد الثالث عشر، يوليوز 1992.
6 – قنوني علي ، علاقة التمثلات بوضعية الانطلاق و الأنشطة الديداكتيكية، المجلة التربوية، العدد الخامس، يناير 1995.
7 – محمد لاحق ، النقل الديداكتيكي، المجلة التربوية، العدد السادس ، ماي 1996.
8 – محمد حمود ، قضايا النقل الديداكتيكي للمعرفة ، المجلة التربوية، العدد الثامن ، مارس 2002.
9 – أحمد العمراوي، الديداكتيك بين المعرفة المدرسية و المعرفة المكتسبة، مجلة فضاءات تربوية، العدد الثالث، السنة الثالثة، مارس 1997.
إعــداد : عــامـر كنـبـــور